إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ
محمداً عبده ورسوله
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [ آل عمران : 102]
)يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً( [
النساء : 1] .
)يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً %يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً( [ الأحزاب : 70-71 ] .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلالة وكل ضلالة في النار.
منذ سنوات طوال وأنا أقرأ قوله
تعالى " إنً الدين عند الله الإسلام " آل عمران 19 وأقول ما أرحم الله !
هذه آية في كتابه تعالى بينة واضحة وقوله تعالى الرحمن الرحيم في نفس السورة " ومن يبتغ غير الإسلام
دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " آل عمران 85 فهذا بيان واضح لطريق
الله المستقيم فلا ندين الله بغيره ولأجل ذلك خلقنا فقـد قـال الله عزوجل (وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات 56، و لا سبيل للخلق إلى عبادته سبحانه
على الوجه الذي يرضيه إلا بأن يعبدوه كما أمرهم، ولا سبيل إلى معرفة أمره ونهيه
سبحانه إلا عن طريق الوحي الذي أوحاه إلى رسوله قال تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا
ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا،
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) الشورى 52، وقال تعالى (أَومَن كان مَيْتاً فأحييناه
وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس، كمن مَثَله في الظلمات ليس بخارج منها، كذلك
زُيِّن للكافرين ما كانوا يعملون) الأنعام 122.
لذلك تعبدنا الله أن ندعوه في كل ركعة من
الصلاة أن يهدينا إلى المنهج القويم اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)[الفاتحة]، وفي ذلك دعوة إلى التمسك بهذا المنهج الخالي من
الانحراف ،كما أن في ذلك تبيانا على أن ثمة مناهج وسبل أخرى معوجة، منها منهج المغضوب عليهم
وعلى رأسهم اليهود ،ومنهج الضالين وعلى رأسهم النصارى.
لذلك ورد في كتاب الله الحث على الاستقامة
بالسير على هذا الطريق القويم فنجد أن سورة الأنعام من أكثر السّور التي ورد فيها
الحديث عن الصّراط المستقيم: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ
يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام:39]، {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ
وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام:87]، {وَهَذَا صِرَاطُ
رَبِّكَ مُسْتَقِيماً}[الأنعام:126]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً
فَاتَّبِعُوهُ}[الأنعام:153]، {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام:161].
وفي سورة إبراهيم سمَّاه ربنا عزوجل صراط
العزيز الحميد: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم:1] وفي سورة طه وصفه
بالسّويّ، فقال: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ
اهْتَدَى}[طـه:135] وفي الحجّ أضافه للحميد فقال: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ
الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[الحج:24] ، وفي المؤمنون عرَّفه دون
وصف أو إضافة: {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ
لَنَاكِبُونَ}[المؤمنون:74] ، وفي سورة مريم يقول إبراهيم -عليه السلام- لأبيه:
{فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}[مريم:43] ويقول الله في سورة الأنعام:
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:153].
إننا إذا طالعنا علم السلف نجد تفسيرهم
لمعنى هذا الصراط ما يشرح الصدور وتطمئن
له النفوس .
قال الطبري: في قوله تعالى: {اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:6].
"أجمعت الأمَّة من أهل التَّأويل
جميعًا على أنَّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وكذلك في
لغة جميع العرب .
قال تعالى: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام:87]. قال مجاهد: "وسدَّدناهم فأرشدناهم إلى طريق غير
معوجّ، وذلك دين الله الذي لا عِوَجَ فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه ربّنا
لأنبيائه، وأمر به عباده"[1].
وفي قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً}
[الأنعام:126]. قال الطبري: "هو صراط ربك. يقول: طريق ربّك، ودينه الذي
ارتضاه لنفسه دينًا، وجعله مستقيمًا لا اعوجاج فيه"[2].
وفي قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}[الأنعام:153].
قال الطبري: هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده،
{مُسْتَقِيماً}[الأنعام:153]. يعني قويمًا لا اعوجاج به عن الحق.[3]
وفي سورة الأعراف: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ
لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}[الأعراف:16].
قال الطبري: يقول: "لأجلسنَّ لبني آدم صراطك المستقيم،
يعني طريقك القويم، وذلك دين الله الحقّ، وهو الإسلام وشرائعه".[4]
" وإنني لواثق من أنه إذا عُرِض الإسلام عرضاً صحيحًا
على حسب ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسيكون مقبولاً
لدى النفوس؛ لأن الإسلام دين الفطرة يقبله كل ذي فطرة سليمة ولا يحتاج إلى كبير
عناء بمجرد أن يشهد الرجل أن لا اله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإنه سوف يقبل
هذا بفطرته التي فطر الله بها عباده. قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ " [5]
لقد كان عهد النبيِّ - صلَّى
الله عليه وسلَّم - والخلفاء الرَّاشدين والصحابة يجسِّد الصُّورة المثاليَّة
لِمَنهج الإسلام ، وكان الحِفاظ على العقيدة الإسلاميَّة أهمَّ وأول الأعمال ،
وكان المنهجُ السائد هو الاتِّباعَ التامَّ، والالتزامَ الكامل، والتطبيقَ الشامل
للكتاب والسُّنة وهو المحجة البيضاء ليلها كنهارها .
فاتباع
السلف الصالح ولزوم منهجهم واجب لأنه الطريق المستقيم .
قال
تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[6].
وقال
تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[7].
فتوعد
الله من اتبع غير سبيلهم بعذاب جهنم، ووعد في الآية السابقة متبعهم بالرضوان.
وقال
صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"[8].
فهذه
"الخيرية" التي شهد النبي صلى الله عليه وسلم بها لهذه القرون الثلاثة
تدل على تفضيلهم وسبقهم وجلالة قدرهم وسعة علمهم بشرع الله، وشدة تمسكهم بسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تؤكده الكثير من الأحاديث.
كقوله
صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى
على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه ا لأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار
إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه
اليوم وأصحابي"[9].
و
قوله صلى الله عليه وسلم: "... فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرًا،
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، فتمسكوا بها، وعضوا عليها
بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"[10].
فحث
صلى الله عليه وسلم بأن يتبعوا سنته وسنة من بعده من الخلفاء الراشدين، عند وقوع
التفرق والاختلاف لأنهم أعرف الناس بالإسلام .
"
فنَشَرُوا الإسلامَ، وبيَّنوا عقيدتَه وأحكامَه أَحْسَنَ بيانٍ، وأيَّدوا قواعدَ
الإسلامِ وأُسُسَ الإيمانِ بالدليل والبرهان، ومَضَوْا على المَحَجَّةِ البيضاء
التي تَرَكَهم عليها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأَلْقَوْا إلى التابعين لهم
بإحسانٍ ما تلقَّوْهُ مِنْ مشكاة النبوَّة مِنْ نصوص القرآن والسنَّة والإيمان،
فاقتفى صراطَهم المستقيمَ الرعيلُ الأوَّلُ مِنْ أتباعهم؛ فأقاموا الحقَّ وأشادوا
ركائزَه؛ فأضاءُوا نورَه، فسارَتْ به ركائبُه، دون تقديسٍ للرجال، أو تعصُّبٍ
للآباء، أو تشبُّهٍ بالأعداء، أو اتِّباعٍ للبِدَعِ والأهواء؛ فشَرْعُ اللهِ
أَعْظَمُ وأَحَبُّ إليهم مِنْ أَنْفُسِهم، وأجَلُّ مِنْ أَنْ يُقدَّمَ عليه قولُ
كائنٍ مَنْ كان مِنَ البشر، وأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعارِضَه رأيٌ أو قياسٌ أو نظرٌ
أو استدلالٌ؛ فهُدُوا ـ بفضل الله ـ إلى الطيِّب مِنَ القول وهُدُوا إلى صراط
الحميد. "[11]
قال الصنعاني رحمه الله:" فإنه
ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه
وسلم من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها, فإن الحديث عام لكل خليفة راشد
لا يخص الشيخين. ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يُشَرِّع طريقة
غير ما كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم...".[12]
قال الألباني:" ... فليس
للخلفاء سنة تتبع إلا ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم".[13]
إن
علماء السلف أدركوا حقيقة هذا الدين العظيم فحرصوا كل الحرص على أخذه من منبعه
الأصيل من عند حامليه الأتقياء الأنقياء أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا،
وأقلها تكلفا إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلف هذه الأمة عرفوا الخير
ودلوا الأمة عليه حتى يسلكوا الطريق المستقيم دين الله الإسلام صافيا نقيا لا
اعوجاج فيه وها هي أقوالهم تدل على ذلك جزاهم الله عنا كل خير .
لذلك حرصوا على نصح الأمة وإرشادها
إلى نيل كل خير عرفوه من باب قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه )[14].
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال:
" من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها
تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإقامة دينه، فاعرفوا
لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"[15].
وعنه
رضي الله عنه قال: "إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا
بالأثر"[16].
وعنه
رضي الله عنه قال: " اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم"[17].
وقال
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان
قبلكم، فو الله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن أخذتم يمينًا وشمالاً
لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا"[18].
وقال
مجاهد: "العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"[19].
وقال
الأوزاعي: "العلم ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان غير ذلك
فليس بعلم"، وكذا قال الإمام أحمد رحمه الله[20].
وقال
أيضًا: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما
كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم"[21].
وكان
الحسن البصري في مجلس فذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال قول عبد الله بن
مسعود رضي الله: "إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها
تكلفا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتشبهوا بأخلاقهم
وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم"[22].
وقال
الإمام الأوزاعي: « عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإيّاك وآراء الرجال وإن
زخرفوها لك بالقول؛ فإن الأمر ينجلي - حين ينجلي - وأنت على طريق مستقيم ». "[23].
فالواجب
على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد
الله بعبادته وحده لا شريك له وطاعة
رسوله، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم
الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقًا عامًّا إلا لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، ولا لطائفة انتصارًا مطلقًا عامًّا إلا للصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فإن
الهدي يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا، فإذا
أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون على
خطأ،"[24].
إن الله
تعالى برحمته الواسعة سخر فئةً تُحافظ على
عقيدة الإسلام، والتي مات عليها الجيلُ الأول من الصحابة والتابعين وهم أهل
السُّنة والجماعة: أيْ: مَن التزموا بمنهج السُّنة، والذي كان عليه جماعة
الصَّحابة والتابعين.
وأطلق عليهم عدَّة ألقاب، منها:
أهل
السنة فيستعمل العلماء تارة مسمى "أهل
السنة والجماعة" بدلاً من عبارة "السلف".
وهو
بعينه مدلول لفظة السلف، فأهل السنة والجماعة هم الصحابة والتابعون وتابعوهم ومن
سلك سبيلهم وسار على نهجهم من أئمة الهدى ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين.
فيخرج
من هذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء.
فالسنة
هنا في مقابل البدعة.
والجماعة
هنا في مقابل الفرقة.
فعن
ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[25]
قال: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة"[26].
وهذا
المعنى هو المقصود في الأحاديث التي وردت في لزوم الجماعة والنهي عن التفرق.
قال عبد المحسن العباد : عقيدة
الأئمَّة الأربعة ومَن تفقَّه بمذاهبهم من أئمَّة أهل السُّنَّة الإمام أبو حنيفة
والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله، وعقيدتُهم هي
عقيدة السَّلف من الصحابة ومَن سار على نهجهم.
ومن أمثلة مَن تفقَّه في المذهب
الحنفي وهو على عقيدة السَّلف الإمام أبو جعفر الطحاوي صاحب عقيدة أهل السُّنَّة
والجماعة، وشارح هذه العقيدة علي بن أبي العز الحنفي، ومنهم في المذهب الشافعي عبد
الرحمن ابن إسماعيل الصابوني، مؤلِّف كتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث، والذهبي
صاحب كتاب العلو، وابن كثير صاحب التفسير، ومنهم في المذهب المالكي ابن أبي زيد
القيرواني، و ابن عبد البر، ومنهم في المذهب الحنبلي الإمام ابن تيمية، والإمام
ابن القيم، والإمام محمد بن عبد الوهاب. [27]
ويطلق على السلف أيضا :
أهل
الحديث: لأنَّهم كانوا يلتَزِمون بالأحاديث
الصحيحة، ولا يتركونها للآراء الشخصيَّة التي كان عليها الجماعاتُ الأخرى.
ويطلق على السلف أيضا :
أهل
الأثر: لأنَّهم كانوا يَسِيرون على أثر
النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصحابة - رضي الله عنهم.
وعمومًا:
فأسُّاس منهج السلف يقوم على اتِّباع الكتاب والسُّنة وعدم المعارضة لهما بالرَّأي
والهوى في كلِّ المسائل الشرعيَّة، فالسَّلفية تَعني بالرُّجوع إلى السَّلف؛
دينًا، وعقيدة، وخلقًا، ومنهجًا، وسُلوكًا.
وبعد كل هذا نأتي إلى كلمة
السلفية وهي الكلمة الفاصلة خاصة في زمن الأهواء والأحزاب وكثرة الادعاءات فكل يدَّعي وصلاً بليلى .... وليلى لا تقر لهم بذاك ! فلا يمكن
لأحد أن يحقق الاستقامة إلا إذا ميز هذا الطريق الذي به يسلك السالك الطريق
المستقيم في جميع أمور الدين عقيدة وعبادة وسلوكا وأخلاقا.
فالسلفية: هي المنهج الذي سار
عليه النبي صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة من بعده والذي أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم بأنه باق إلى أن يأتي أمر الله، لحديث: "لا تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"[28].
فيصح الانتساب إلى هذا المنهج
متى التزم الإنسان بشروطه وقواعده، فكل من حافظ على سلامة العقيدة طبقًا لفهم
القرون الثلاثة المفضلة فهو ذو نهج سلفي.
وقال العلامة عبيد الله الجابرى فى "الحد
الفاصل"[29] "السلفية
هى عقيدة ومنهج ولم يؤسسها أحد من البشر, فلم يؤسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب حين
ناصره الإمام الأمير محمد بن سعود, ولم يؤسسها قبلهما شيخ الإسلام بن تيمية, ولا
من بينه وبينهما من أهل العلم والإمامة فى الدين, بل ولم يؤسسها أتباع التابعين,
بل ولم يؤسسها أئمة التابعين ,بل ولم يؤسسها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، بل
لم يؤسسها محمد صلى الله عليه وسلم.
فالسلفية هى الإسلام الخالص الخالي من شوائب البدعة
والشرك هذه السلفية عقيدة ومنهج ومن جاء بعد النبيين والمرسلين دعاة إصلاح وتبصير
الناس بفقه هذه السلفية.
فالسلفية بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي فقه
الكتاب والسنة على وفق فهم السلف الصالح لأن السلفية وصف لكل من مضى بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم متبعاً أثره" ا . هـ.
وهذا قول صريح في أن
السلفية هي الإسلام الصحيح فهي طريق الله المستقيم .
ولا تتمّ دعوةُ الحقِّ إلاّ بهذا المنهجِ السّلفيِّ القائمِ على
توحيدِ اللهِ الكاملِ، وتجريدِ متابعةِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم،
والتّزكيةِ على صالِحِ الأخلاقِ والآدابِ، فإنّه بقدرِ اتّباعِ هذا المنهجِ
والتّربيةِ عليه والالتزامِ به يكون الابتعادُ عن الانحرافِ والضّلالِ
والتّبعيّةِ.
إنّ أعلامَ السّلفِ فاقوا غيْرَهم من أصحابِ الفِرَقِ
والطّوائفِ في مختلفِ الميادينِ سواء في التّصوّراتِ المتجسّدةِ في القضايا الكبرى
الخاصّةِ باللهِ سبحانه وتعالى وكذا مخلوقاتِه في الحياةِ والكونِ، أو في المبادئِ
الإسلاميّةِ والقِيَمِ المنبثِقَةِ منها التي سلكوها في مواجهةِ التّحديّاتِ
العلميّةِ والعقديّةِ التي أُثِيرَتْ في عصورِهم، أو في المنطلَقاتِ التّأصيليّةِ
التي بَنَوْا عليها فَهْمَ الإسلامِ والعملَ به نصًّا وروحًا، أو في التّفاعلِ مع
الأحداثِ والوقائعِ المستجِدّةِ التي واجهوها وتصدَّوْا لها، كلُّ ذلك يُنبّئُ عن
تكاملِ هذا المنهجِ الرّبّانيِّ القويمِ في التّصوّرِ والقِيَمِ والمبادئِ، وفي
العملِ والإصلاحِ والتّربيةِ، وفي السّلوكِ والتّزكيةِ، فكان أنْ أنارَ اللهُ به
طريقَ المهتدين وأضاءَ به صدورَ العالَمين شرقًا وغربًا، وصان به دينَه وحَفِظَ به
كتابَه عن طريقِ الالتزامِ به مِن قِبَلِ أعلامِ السّلفيّةِ جيلاً بعد جيلٍ مِن
صدْرِ الإسلامِ إلى زمانِنا الحاضرِ، ذلك لأنّ هذا المنهجَ السّلفيَّ هو منهجُ
الإسلامِ المصفّى نفْسُه، البيّنةُ معالِمُه، المأمونةُ عَوَاقِبُه، يسير على
قواعدَ واضحةٍ، ويتحلّى بخصائصَ جامعةٍ، فمِن قواعدِه: الاستدلالُ بالكتابِ
والسّنّةِ، والاسترشادُ بفهمِ سلفِ هذه الأمّةِ، ورفْضُ التّأويلِ الكلاميِّ،
وعدمُ معارضةِ النّقلِ برأيٍ أو قياسٍ ونحوِهما، وتقديمُه على العقلِ مع نفيِ
التّعارضِ بينهما كما ينفي التّعارضَ بين النّصوصِ الشّرعيّةِ في ذاتِها، وجعلُ
الكتابِ والسّنّةِ ميزانًا للقَبولِ والرّفضِ دون ما سواهما.
ومن خصائصِه الجامعةِ: شمولُه، وتوسُّطُه بين المناهجِ الأخرى،
ومحاربتُه للبدعِ والتّحذيرُ منها، واجتنابُ الجدلِ المذمومِ في الدّينِ
والتّنفيرُ منه، ونبذُ الجمودِ الفكريِّ والتّعصّبِ المذهبيِّ، ومسايرتُه للفطرةِ والاعتقادِ
القويمِ والعقلِ السّليمِ.
فمثلُ هذه المناسباتِ الهامّةِ في حياةِ أمّتِنا وحياةِ رجالِها
تمثّل - بصدقٍ- فُرَصًا للتّقويمِ والتّقديرِ والمراجعةِ، كما تفتح مجالاً واسعًا
للتّفكيرِ في كيفيّةِ نشرِ هذا الدّينِ المصفّى في أرضِنا وعلى ربوعِها وعلى نطاقٍ
واسعٍ بتربيةِ النّاسِ على دينِهم الحقِّ ودعوتِهم إلى العملِ بأحكامِه، والتّحلّي
بآدابِه، وإبعادِهم عن أنماطِ الضّلالاتِ الشّركيّةِ وأنواعِ الانحرافاتِ
الفكريّةِ، ومختلفِ الأباطيلِ البدعيّةِ التي شوّهتْ جمالَ الإسلامِ وكدّرتْ
صفاءَه، وحـــالتْ دون تقدُّمِ المسلميـــــــن، وكانت سببــــــًا لهذا البلاءِ
الذي يعيشه المسلمون اليومَ. [30]
نسأله
تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَى أن يجعلنا خيرَ خلَفٍ لخير سلَف، وأن يُحْسِن
خاتِمتَنا أجمعين.
فإلى
الله المشتكى ممن ترك هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسنة الخلفاء الراشدين
من بعده، واتبع غير سبيل المؤمنين، ونذكرهم بمقالة إمام دار الهجرة: لن يصلح آخر
هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله
ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم
الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
[1] تفسير الطبري7/262
[2] ـ تفسير الطبري8/32
[3] ـ تفسير الطبري8/87
[4] ـ تفسير الطبري8/134
[5] ـ مقتطف من كلمة فضيلة
الشيخ بن عثيمين " رحمه الله تعالى " بمناسبة إنشاء الموقع
[6] الآية 100 من سورة التوبة
[7] الآية 115 من سورة النساء
[8] أخرجه البخاري 5/199، 7/6،
11/460، وأخرجه مسلم 7/184، 185
[9] ـ السلسلة الصحيحة 1492
[10] ـ صحيح ابن ماجة برقم (41).
[11] ـ الكلمة الشهرية١٠٤للشيخ محمد علي فركوس ـ حفطه الله ـ الدعوة السلفية السنِّيَّة وعقباتٌ في طريق
النهوض بها
[12] ـ سبل السلام 1/493
[13] ـ السلسلة الضعيفة 1/51
[14] ـ رواه البخاري ومسلم
[15] جامع بيان العلم وفضله
2/87
[16] شرح أصول اعتقاد أهل السنة
للالكائي (ح115)
[17] البدع والنهي عنها لابن
وضاح ص13
[18]جامع بيان العلم 2/29
[19] المرجع نفسه
[20] المرجع نفسه
[21] الشريعة للآجري ص 58
[22] جامع بيان العلم 2/97
[23] المدخل إلى السنن للبيهقي
رقم 233
[24] منهاج السنة لشيخ الإسلام
ابن تيمية: 5/262-263
[25] الآية 106 من سورة آل
عمران
[26] تفسير ابن كثير 1/390
[27] ـ قطف الجنى الدانيشرح
مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني ص : 43 ، 44
[28] ـ صحيح مسلم
[29] ـ ص43"
[30] الشيخ محمد علي فركوس الكلمة الشهرية ـ 2 ـ حال الأمة الإسلامية
والسبيل الصحيح لصلاحها